ماأحوج العالم إلى محمد!
ما أحوج العالم إلى محمد!
يقول المفكر الإنجليزي برنارد شو عنحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: " ما أحوج العالم إلى محمد ليحل مشاكلالعالم وهو يحتسي فنجان قهوة ".
إن من أهم سمات ديننا وشرع ربنا: الاختصار والاقتضاب، وحمل المعاني في صورةكلمة محدودة أو كلمات معدودة؛ تمتد عبر الزمان والمكان: بمفهومها وبإيمائهاوبإشارتها وبمقتضاها...إلى فضاء اللا محدود من المعاني.
في قوله تعالى على سبيل المثال: (ولا تقل لهما أف)فالملفوظ كلمات معدودة، والمسكوت عنه معانٍ تتناول كل أنواع الأذى وهذا ما يُسمىبالتنبيه بالأدنى على الأعلى: أي دون الحاجة لذكر النهي عن الضرب والشتم، فهيمعلومة ضرورية لكل مبتدئ باللغة: إنها من باب أولى، فهو اختصار لكنه يحمل من"عمومه المعنوي" ما "يستغرق" الأذى والاعتداء.
لقد كان من صفاته عليه الصلاة والسلام أنه أوتي جوامع الكلم واختصرت لهالحكمة اختصاراً، بل كان ينهى عن التكلف والتقعر والتشدق في الكلام وجاء عن ابنمسعود رضي الله عنه في الحديث الذي رواه مسلم: (هلكالمتنطعون قالها ثلاثاً: المبالغون الأمور).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تخللالبقرة).
وعقد النووي -رحمه الله- في رياض الصالحين: باب كراهية التقعير في الكلاموالتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشيّ اللغة ودقائق الإعراب في اللغة. إناستطلاع الشريعة يدل بكل تأكيد على منحى الاختصار في الكلام والعلاج بالإيجاز فيالحديث ما أمكن، وفي وصية النبي عليه السلام لجرير بن عبد الله البجلي يتأكد هذاالمعنى حين يقول له: (يا جرير: إذا قلت فأوجز، وإذا بلغتحاجتك فلا تتكلف).
فالمبالغة في الكلام والثرثرة لا تدل في الغالب إلا على غشاوة الفكرة التييُراد إيضاحها فلا يُستطاع إلى إيصالها إلا بكلام كثير يزيد الغبار ويحفر في البحرولا يحقق للقارئ إلا نتائج رمادية أو ضبابية، هي كما يُقال: تحصيل حاصل، في حيناختزال المعاني في كلمات معدودة يدل على وضوح ماذا نريد على وجه التحديد.
من جانب آخر فإن تحقيق نتائج ذات مستوى متقدم يتطلب عملاً جيداً خير منكلام جيد، فلو كنا نسعى إلى تحقيق مستوى متقدم من التآلف وجمع القلوب، فإن في سيرةمحمد -صلى الله عليه وسلم- كلاماً قليلاً وعملاً جباراً كثيراً تحقق في صور كثيرة،من أدلها زواجه عليه الصلاة والسلام من قبائل مختلفة استطاع من خلاله أن يقللالشحن النفسي ضد الدعوة، فللزواج بعد آخر لا يقف عند حدود العلاقة بين الرجلوالمرأة، وهذا المعنى يجب أن يتجلّى في سيرة رموز "الصحوة " على وجهالخصوص.
فنحن نجد اليوم في سيرة بعض السياسيين زواجاً لا يمكن تفسيره هكذا دون أننستبطن من ورائه مصالح " عُليا " قد تكون شخصية، لكنها في كل الأحوالتخفي ورائها أبعاداً مختلفة.
وعلى كل حال يجب ألا نعتمد في فلسفة شخصياتنا على غرس الإكثار من الأحاديثوالمقالات والكتابات المطولة والخطب المطولة والحوارات... دون أن يكون لها رصيدتطبيقي واضح، ورضي الله عن ابن مسعود القائل: " كنا لا نتجاوز عشر آيات حتىنتعلم ما فيهن من العلم والعمل" . فالاتجاه إلى العمل والإنجاز يجب أن يكونفورياً غير مؤجل مسبوقاً بقدر من التخطيط في زمن محدود؛ حتى ولو كان العمل كمياًفإنه يحقق "الكيف" على المدى الطويل، لاسيما إذا أُتبع بالبحث والتطويروالتجديد.
كما يجب أن تتميز شخصيات الدعاة والخطباء والمحاضرين... بعمق اللفتاتاللفظية التي توجز وتحدّ من الإسهاب. وهذا التميّز بلا شك يستدعي عملاً علمياً"وفنياً " في مؤهلات الداعية.
وللحقيقة ؛ فإننا قد مَلِلنا من وقوف كثير من الدعاة في المساجد وعلى منابرالجمعة... يتحدثون أمام الناس فيسهبون في التذكير دونما احترام لأداء الرسالة،ولولا الوجوب الشرعي في الحضور والاستماع لما رأيت سامعاً أو حاضراً لأكثر الذينيخطبون وفي جعبتهم الهاجس الأمني والمصلحة الشخصية التي صارت فوق كل اعتبار؛ ممابدّد طاقتهم وتركيزهم في درء احتمالات نسبتها واحد في المليون .
هؤلاء يجب يدركوا أن مساحة المتاح والممكن أوسع مما أوهمهم به الشيطان، ولوأتعبوا أنفسهم قليلاً في تطوير أدائهم الفني لرسالة الجمعة، وأتبعوا ذلك توسعاً فيالمعلومات لأمكن من خلالهم تحقيق إنجازات في مجالات مهمة وحساسة، لكن الحق أنأكثرهم ربما يلحظون الجانب الشخصي لهم ويلبسونه ثوب المصلحة الشرعية، وهكذا تدورالأيام ويحسبون أنهم مهتدون!
محمد العبد الكريم