دور الجمعيات الأهلية
في تنفيذ الأهداف الإنمائية
د. أماني قنديل
2005
المحتويات
مقدمة: الأهداف والمنهجية
أولاً: الجمعيات الأهلية ومكافحة الفقر، خاصة فقر الإناث.
ثانياً : الجمعيات الأهلية وتطوير التعليم وسد الفجوة النوعية .
ثالثاً: الجمعيات الأهلية وتطوير الخدمات الصحية والصحة الإنجابية والبيئة.
رابعاً: الجمعيات الأهلية وتعزيز المساواة بين الجنسين.
مقدمة
تضمنت وثيقة الأهداف الإنمائية للألفية، والتي وقعت عليها دول العالم،
ومنها مصر، تحديات أساسية على العالم مواجهتها حتى عام 2015، ويأتي في
مقدمتها مكافحة الفقر، وتطوير التعليم وسد الفجوة النوعية، وتمكين المرأة
وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتطوير الخدمات الصحية والصحة
الإنجابية..وغيرها من غايات أساسية، ومؤشرات لقياس مدى التقدم المحرز.
وإذا كنا في هذه الورقة نهتم بدور الجمعيات الأهلية – وهى العمود الفقري
للمجتمع المدني في مصر – في تنفيذ الأهداف الإنمائية للتنمية، فإن من المهم
الإشارة إلى أفكار ثلاثة أساسية عن المجتمع المدني، تضمنتها وثيقة الأهداف
الإنمائية للألفية:
الفكرة الأولى: التأكيد على مفهوم المجتمع المدني القوى، بمعنى الفعالية
والكفاءة في تحقيق الأهداف والوصول إلى الفئات المستهدفة، وليس مجرد توافر
بنية أساسية يكفل لنا القول بأن هناك مجتمعاً مدنياً، ولا الاعتماد على
الأرقام كأن نشير إلى زيادة عدد الجمعيات في مصر إلى 16.800 جمعية، فهذا
وحدة لا ينطوي على مؤشرات لقوة المجتمع المدني .
والجدير بالذكر أن الأدبيات العالمية الحديثة (وكذلك كتاب للباحث تحت
الطبع)(1) يركز على مؤشر قياس فعالية المجتمع المدني، وإمكانية استخدامها
للتعرف على مدى قوة المجتمع المدني.
الفكرة الثانية: التأكيد على قيمة الشراكة Partnership، وهى فكرة برزت في
التسعينات من القرن العشرين، ونصت عليها المواثيق العالمية بدءاً من مؤتمر
القاهرة للسكان والتنمية عام 1994. ويشير مفهوم الشراكة إلى " علاقة بين
طرفين أو أكثر، تتوجه لتحقيق النفع العام أو الصالح، وتستند على اعتبارات
المساواة والاحترام والعطاء المتبادل، الذي يستند على التكامل، حيث يقدم كل
طرف إمكانيات بشرية ومادية وفنية(أو جانب منها) لتعظيم المردود وتحقيق
الأهداف (2). إن الشراكة بهذا المعنى ليست علاقة غير متكافئة يهيمن فيها
طرف على الأخر. وإنما هي علاقة تكامل وتقدير متبادل، يقدم فيه كل طرف بعض
موارده لتعظيم النتائج. كذلك فإن الشراكة ليست إسناد مشروعات – كما كان
سائداً في مصر حتى الألفية – بمعنى أن إسناد الحكومة لمشروعات تنفذها
الجمعيات الأهلية ليس علاقة شراكة.
الفكرة الثالثة: المشاركة الشعبية القاعدية، بمعنى تحريك همم وطاقات
المواطنين في المجتمع المحلى للإسهام في مواجهة تحديات التنمية البشرية،
وهو ما يشير إلى أهمية الدور الذي يلعبة المجتمع المدني لحفز الطاقات
وتعبئة العمل التطوعي. وتثير هذه الفكرة مفهوم الثقافة السياسية وطبيعتها
(إذا كانت تشجع على المبادرات والمشاركة من عدمه ) كما تشير فكرة ثقافة
العمل التطوعي (بمعنى توافر قيم واتجاهات إيجابية تشجع على المبادرة
الشخصية).
استناداً إلى المقدمة السابقة، فإن هذا البحث يهدف إلى: إبراز تطورات فعلية
إيجابية على ساحة الجمعيات الأهلية في مصر، ارتبطت بالألفية الجديدة
وتوجهاتها، مع إبراز الاتجاة الجديد نحو دعم الشراكة والمشاركة. وسوف نستند
في منهجيتنا على رصد اتجاهات عامة، ثم نماذج رائدة تتعرف على خبراتها
وانعكاساتها.
أولاً: الجمعيات الأهلية وتحدى مكافحة الفقر
من المنظور التاريخي ارتبطت الجمعيات الأهلية، أو المنظمات التطوعية، في
مصر وأغلب دول العالم بمواجهة الفقر ، وقد تمثل ذلك – خاصة منذ منتصف القرن
التاسع عشر- في ميلاد وتأسيس سلسلة من الجمعيات الخيرية ( مثال ذلك
الجمعية الخيرية الإسلامية ، والتوفيق القبطية..)، كما اتسمت أيضاً
الجمعيات النسائية الأولى قبل بداية القرن العشرين بتوجهاتها الخيرية.
هذا، وإذا تابعنا على مدى التاريخ الاجتماعي المصري، الاستمرار والانقطاع
في ملامح الجمعيات الأهلية، سوف نقف على حقيقة مهمة ، وهى أن أبرز ملامح
الاستمرار تتمثل في التوجه الخيري على مدار قرن ونصف القرن تقريباً، لسنا
في هذا السياق في موقف نقدي للجمعيات الخيرية التي تتوجه إلى دعم ومساندة
الفقراء، فهي قديمة ومستمرة في مصر والمنطقة العربية ككل، إلا أننا نطرح في
مقابل العمل الخيري التقليدي – الذي يعتمد على علاقة مباشرة بين مانح
ومتلق – نطرح فكرة التمكين التي تستهدف توسيع خيارات الناس، بتوفير قدرات
ومهارات لهم. توفر لهم الاعتماد على الذات. إن الاقتراب الأخير ليس مجرد
اقتراب تنموي حديث، وإنما هو يتعامل مع أسباب ظاهرة الفقر التي تتمثل في
انخفاض الدخل وغياب التعليم وعدم توافر فرصة العمل، وما يحيط بكل ذلك مما
يعرف بثقافة الفقر (3).
إن الجمعيات الأهلية في مطلع الألفية الثالثة، قد سجلت مؤشرات إيجابية على محور مكافحة الفقر، تتمثل فيما يلي:
1. توجه نحو تسجيل جمعيات في الألفية تنشط في مجالات التنمية والدعوة
Advocay، ففي عام 2004 تم تسجيل 660 جمعية أهلية جديدة تنشط في مجال العمل
التنموي، من أهمها جمعيات تدريب وتأهيل وقروض صغيرة ومشروعات صغيرة،
والعشرات تتوجه نحو تمكين المرأة الفقيرة ومحو أميتها وتأهيلها للاستفادة
بالقروض الصغيرة، وأخرى تنشط في مجال النهوض بالتعليم، وفى مجال البيئة،
واتجهت عشرات من الجمعيات نحو التوعية والدفاع عن الحقوق السياسية
والمدنية، والاقتصادية والاجتماعية.
2. الملمح الثاني في مواجهة تحدى الفقر، تحولات في منهجية عمل جمعيات خيرية
تقليدية، فبعد أن كانت تعتمد أسلوب البر والإحسان، أي العلاقة المادية
المباشرة بين مانح ومتلق، اتجهت إلى منهجية تطوير الاعتماد على الذات
( القروض الدوارة والتدريب والتأهيل )، ومن هذه الجمعيات ما عرف تاريخياً
بالتوجه الخيري التقليدي، وجمعيات لها سمة دينية، إسلامية ومسيحية.
3. وفى نفس هذا السياق نسجل نماذج للدور الرائد الذي لعبته بعض المنظمات
الأهلية الكبرى، وأبرزها الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية،
والتي اتجهت – في خبرة متميزة – إلى بناء قدرات جمعيات أهلية صغيرة – خاصة
في الوجه القبلي – لكي تتوجه إلى التنمية المحلية في المحافظات وفى الريف
المصري تحديداً. هنا اتجهت الهيئة المذكورة إلى بناء شبكة من حوالي
250جمعية أهلية ن وقامت بجهد جيد في بناء قدرات هذه الجمعيات،من خلال :
التدريب على الإدارة الحديثة والبناء المؤسسي ،ودراسة احتياجات المجتمع
المحلى ،وتنشيط المشاركة المجتمعية للتعاون مع الجمعيات ، بالإضافة إلى
التوعية بالدور التنموي ،وتقديم الدعم المادي والفني .. وعبر السنوات
الأخيرة نشطت شبكة الجمعيات هذه – بدعم الهيئة الإنجيلية – في مجالات
تنموية، كانت بعيدة عنها من قبل.
4. نسجل أيضا ضمن المؤشرات الإيجابية لمكافحة الفقر ودور الجمعيات الأهلية،
الجهود المتميزة لبعض الجمعيات في المناطق العشوائية التي تتركز فيها
ظاهرة الفقر للنهوض الشامل بالمجتمع المحلى، من خلال تطوير البنية الأساسية
( المساكن والصرف الصحي ) والتعليم والتدريب، وتوفير فرص عمل والخدمات
الصحية الأساسية. ولم يقتصر ذلك على عشوائيات القاهرة ( ومن نماذجها عزبة
الوالدة، حكر السكاكينى، والدويقة، الزبالين بالمقطم) وإنما أمتد إلى خمس
عشوائيات في محافظة السويس تم تطويرها بالكامل ، وأمتد إلى بعض عشوائيات
محافظة الإسكندرية.
5. نسجل ضمن جهود الجمعيات الإيجابية لمواجهه الفقر ، التوجه إلى التركيز
على النساء المعيلات لأسر (16.7% من إجمالى الأسر ) ،وهى قضية رئيسية تتعلق
بتمكين المرأة ،وكان للمجلس القومى للمرأة الدور الأساسى فى تعبئة الجهات
الحكومية والأهلية لدعم المرأة الفقيرة المعيلة لأسر في مصر . وقد قاد هذا
التوجه شراكة فاعلة بين المجلس القومي للمرأة وما يقرب من 300 جمعية أهلية
في مختلف المحافظات ، ومن المهم الإشارة إلى الدراسة الرائدة التي سبقت
تنفيذ هذا المشروع ، ففي الوجه القبلي حيث ينفذ المشروع في 8 محافظات وداخل
14 قرية ، تبين أن الغالبية العظمى من السيدات 92% أميات في مقابل 86% في
قرى الوجه البحري التي ينفذ فيها المشروع ، كما تبين أن 11 % و 10% على
التوالي في الوجهين القبلي والبحري لا تتوافر لدى النساء المعيلات بطاقات
شخصية ، وأن 71% منهن أرامل .. وقد قدرت الدراسة المذكورة متوسط الدخل
الشهري للنساء العاملات منهن 94 جنيهاً في الوجه القبلي و 113 جنيهاً في
الوجه البحري (4) .
وفي مواجهة ظاهرة فقر المرأة المعيلة اتجهت شبكة الجمعيات الأهلية بشراكة
المجلس القومي للمرأة ، نحو تدريب وتأهيل المرأة المعيلة للاضطلاع بمشروعات
صغيرة ومن خلال القروض الصغيرة .
6. الجدير بالذكر أيضاً قيام جمعيات أهلية بدور المنظمة الوسيطة ، وما بين
المانحين والنساء الفقيرات ، بهدف تحقيق التمكين الاقتصادي ، أحد الأمثلة
أو النماذج الدور الذي تلعبه جمعيات رجال وسيدات الأعمال في أسيوط لتوفير
القروض والمشاريع الصغيرة ، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج المهارات الحياتية
للمرأة المعيلة ، ويقدر عدد السيدات الفقيرات المستفيدات من الجمعيات
الأهلية – في مجال التمكين الاقتصادي- بحوالي 32.000 سيدة.
7. أحد المظاهر الإيجابية في دور الجمعيات الأهلية في مواجهة الفقر شراكة
مؤسسات أكاديمية جامعية ، في بعض المحافظات مع الجمعيات لرفع نوعية حياة
المرأة الفقيرة .
نذكر على سبيل المثال مشروع المرأة بكلية الزراعة في الفيوم ، والذي اتجه
إلى تدريب المرأة الريفية الفقيرة على مهارات الحياة الأساسية ، وتطوير
دورها لإنتاج الغذاء ، بالإضافة إلى القروض الصغيرة (1000 مستفيدة من
الجمعيات الأهلية ) .
8. من المظاهر الإيجابية أيضاً لدور الجمعيات الأهلية في المحافظات للحد من
الفقر ، الدور الشامل الذي لعبته الجمعيات في محافظة السويس بدعم من
محافظة السويس وفرع المجلس القومي للمرأة في السويس، في اتجاه الحد من فقر
المرأة . اتجه هذا الدورنحو التدريب التحويلي لقطاع من النساء ، والتدريب
بمراكز الأسر المنتجة ، ودعم المشروعات المتنامية الصغر .. وصاحب ذلك محو
أمية النساء وتوفير حوافز إيجابية لهن ، ومن أهمها توفير بطاقة الرقم
القومي ، استفاد من جهود الجمعيات ، وفقاً لإحصاءات محافظة السويس 3673
مستفيدة ، بالإضافة إلى 1300 تم تدريبهن ، وعدد 180 حالة استحقت معاش
الضمان الاجتماعي .
الخلاصة إذن ، أن المؤشرات- في غياب البيانات الشاملة- تكشف عن توجه جاد من
جانب قطاع كبير من الجمعيات الأهلية للحد من الفقر والتركيز على النساء المعيلات .
وكان للشراكة دور متميز في بعض النماذج ، كما كان حفز المشاركة الشعبية اعتباراً
آخر مهماً يفسر النجاح لهذه النماذج .
يبقى في سياق مكافحة الفقر التأكيد على عدة توصيات :
1- توفير مسوح شاملة وقاعدة بيانات ، عن توصيف الفقر وملامح وصفات الفقراء لتيسير إمكانية التوجه إليهم بسياسات وبرامج شاملة .
2- تقييم انعكاسات مشروعات التدريب والتأهيل والقروض الصغيرة، على الفقراء
عامة ، والمرأة الفقيرة خاصة ، وذلك بهدف تطوير السياسات والبرامج .
3- التوجه إلى القطاع الخاص من خلال استراتيجية متكاملة ، تطبق في كل
محافظات الجمهورية ، لتعميق قيمة المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال وحثهم
على دعم دور القطاع الأهلي في جهود الحد من الفقر .
4- دراسة النماذج الناجحة لجهود الجمعيات الأهلية في المحافظات، وإلقاء
الضوء على القصص الناجحة ، والاعتبارات التي كفلت نجاح هذه الجهود .
5- العمل على بناء قدرات الجمعيات الأهلية ، بهدف خلق الأبنية المؤسسية
الناجحة ، التي توفر فرص أكبر لنجاح جهود الجمعيات – في إطار اقتراب شامل
–لمكافحة الفقر .
ثانياً : الجمعيات الأهلية وتحدي تطوير التعليم وتخطي الفجوة النوعية
إن التعليم كان ومازال ، أحد محاور الاهتمام الرئيسية للجمعيات الأهلية في
مصر ، وذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر تحديداً . لقد تمثل الاهتمام من
جانب الجمعيات بالعملية التعليمية في عدة أمور ، أولها مكافحة الأمية حيث
سجل التاريخ عشرات الجمعيات في القرن التناسع عشر ، ثم المئات في القرن
العشرين ، تطالب الحكومة بالحق في التعليم ، وتوجه بعضها لتعليم المرأة
والفتاة ، كما سجل التاريخ الإنشغال بمكافحة الأمية . ثانيها قيام جمعيات
أهلية بتأسيس مدارس منذ القرن التاسع عشر ، وتوجه الوقف الإسلامي للتعليم .
ثالثها بروز تدخلات حديثة من جانب الجمعيات الأهلية لمكافحة ظاهرة التسرب
من التعليم بين الذكور وبين الإناث ، واتجاه البعض منها للتعامل مع جذور
المشكلة ( انخفاض الوعي بتعليم الأبناء خاصة الطفلة الفتاة ، الفقر، عمل
الأطفال، تدني البنية التعليمية ) . رابعها ، وهو أيضاً مظهر حديث الاهتمام
بتدريب المعلمين لرفع كفاءة العملية التعليمية وتوفير التقنيات اللازمة
لتطوير العملية التعليمية . خامسها التركيز على تعليم الطفلة الفتاة خاصة
في قرى الوجه القبلي وظهرت مبادرات غير تقليدية تتوجه لهذا الجانب ، منذ
التسعينات في القرن العشرين . سادسها ظهور اهتمام قوي من جانب قطاع من
الجمعيات الأهلية للنهوض بالبيئة التعليمية ، وتطوير مشاركة التلاميذ
والمعلمين وأولياء الأمور والقطاع الخاص – في بعض النماذج- بهدف تطوير
البيئة التعليمية .
لقد ارتبطت أهم نماذج الشراكة بين الجمعيات الأهلية والحكومة والمجتمع
المحلي بالنهوض بالعملية التعليمية ، على أثر مبادرات إيجابية أهلية ،
واستجابة وزارة التربية والتعليم بتوفير الآليات اللازمة لتحقيق التنسيق
والدعم .
وقبل ان نتعرض لبعض النماذج ، يمكن الإشارة إلى العوامل التي كفلت نجاح
الشراكة بين الجمعيات الأهلية ووزارة التربية والتعليم والتي بدأت
انعكاساتها تتضح في السنوات الأخيرة من الألفية السابقة :
1- تهيئة المناخ القانوني بصدور عدة قرارات وزارية تفسح باب التعاون بين الجمعيات والوزارة ، وتوفر للأولى بيئة قانونية مهيئة .
2- توفير آليات مؤسسية للتنسيق بين الجمعيات الأهلية ووزارة التربية والتعليم أبرزها :
- تشكيل لجنة تنسيقية عليا من ممثلي ونشطاء المجتمع ووزير التعليم وبعض المسئولين بالوزارة ,.
- تأسيس إدارة للجمعيات الأهلية بوزارة التربية والتعليم أعقبها إدارات للجمعيات بمديريات التعليم بالمحافظات .
3- العمل على توفير " بيئة ثقافية جديدة " تسمح بشراكة الجمعيات لوزارة
التربية والتعليم ، وقد تمثل ذلك في مؤتمرات متتالية وندوات واجتماعات ضمت
الجمعيات المعنية بالتعليم – والتي كانت بمثابة شبكة التعليم – والمديرين
والمسئولين والتنفيذين بالوزارة لتيسيير التعاون وإزالة العقبات
البيروقراطية .
4- توفير ثم تحديث قاعدة بيانات الجمعيات الأهلية ، النشطة في مجال
التعليم. لقد تمثلت شبكة الجمعيات الأهلية المتعاونة مع وزارة التربية
والتعليم ، في 339 جمعية ، نفذت بالقاهرة والمحافظات 728 مشروعاً ،
واستهدفت 1691301 تلميذ وتلميذة ، وبحجم تمويل 80580457 جنيهاً ( وذلك
وفقاً لأحدث بيانات 2005 لدى الإدارة العامة للجمعيات الأهلية بوزارة
التربية والتعليم ) . وتشير إلى عقد 118 مؤتمر وندوة ولقاء جمع بين الشركاء
وهيأ المناخ للعمل المشترك .
هذا وقد بلغ عدد الجمعيات التي تنشط- من زوايا مختلفة – في النهوض بالعملية
التعليمية 2439 جمعية ، وفقاً لقاعدة البيانات المذكورة(5) وهي تتحرك في
ثلاث محاور أساسية :
1- دعم الوظيفة التعليمية للمدرسة .
2- دعم الوظيفة التربوية للمدرسة .
3- دعم الصلة بين المدرسة والأسرة .
ويوضح الجدول التالي بعض البيانات عن نشاط شبكة جمعيات التعليم في شراكتها مع وزارة التربية والتعليم .
مجال الحركة عدد الجمعيات عدد المشروعات عدد المستفيدين حجم التمويل
دعم الوظيفة التعليمية
دعم الوظيفة التربوية
دعم الصلة بين المدرسة والأسرة 150
70
119 318
196
214 1014340
406353
270608 56325260
17055059
7200138
الإجمالي 339 728 1691301 80580457
والسؤال الآن ما أهم اتجاهات ونماذج الشراكة بين الطرفين ؟ سوف نكتفى فى هذا السياق بعرض جانب منها.
1- النموذج الاول نسوقة من حى الغمراوى ببنى سويف ، حيث قدمت جمعية تنمية
ورعاية الأسرة. نموذجاً ممتازاً لمواجهة قضية التسرب ورفع كفاءة العملية
التعليمية ،وذلك بالتعاون مع الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإجتماعية
(المنظمة الأم المساندة).وكان اختيار حى الغمراوى فى مدينة بنى سويف
كمجتمع مستهدف نتيجة معاناتة من نقص شديد فى الخدمات التعليمية . أبرز
مايلفت النظر فى هذا النموذج هو أنه جاء بعد دراسة ميدانية دقيقة لأولويات
احتياجات هذة المنطقة، وأن اختيار التعليم كمجال للتدخل – وتحديداً مواجهة
التسرب والأمية- قد جاء من خلال الحى نفسه.
ثلاثة أعراض عانى منها حى الغمراوى أولها قلة الوعى بأهمية التعليم ،
ثانيها انخفاض كفاءة العملية التعليمية بالمدارس الابتدائية الأربعة
القائمة ،وثالثها انغلاق المؤسسة التعليمية على ذاتها مما أضعف من قدرتها
على التواصل مع المجتمع .
وقد تبنى المشروع أهدافاً محددة منها مكافحة الأمية، وتعليم المهارات
الحياتية للنساء ، وتنمية مهارات وهوايات الأطفال ورفع كفاءة وفاعلية
المدارس الابتدائية بالحى من خلال تدريب المعلمين وتكريم المعلمين
المتميزين ، بالإضافة إلى العمل على عدد 100 متسرب من التعليم تسربوا فى
العام السابق على المشروع من خلال استبيان لتحديد سبب التسرب ،والزيادة
المنزلية للأطفال ،ودفع المصروفات لهم، وتنظيم مجموعات تقوية لهم.
يلفت النظر أيضاً فى هذا المشروع تحسين مشاركة التلاميذ فى العملية
التعليمية من خلال معسكرات الخدمة العامة داخل وخارج المدرسة ودعم الأنشطة
المدرسية ،وتحسين البنية الأساسية للمدرسة وتجميلها.
لقد تراكمت عوامل تفسر نجاح هذا المشروع :
- الاحتياج نبع من الحي ذاته .
- الاعتماد على الأهالي والقيادات الطبيعية للمجتمع .
- تعاون الهيئات الحكومية ، وأهمها مديرية التربية والتعليم ببني سويف ، والهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار .
- الدعم والمساندة من جانب الهيئة القبطية الإنجيلية .
2- النموذج الثاني المتميز هو لتدخل جمعية حديثة مشهرة عام 1996 وهي جمعية
المجتمع المحلي بقرية جعفر التابعة لمركز الفشن محافظة بني سويف ، تدخلت
هذه الجمعية من خلال لجنة تنمية – تضم خمس أفراد- لاكتشاف أولويات المشكلات
التي يعاني منها المجتمع فكان أبرزها التسرب خاصة تسرب الفتيات ومشكلة
تعليم الطفلة الفتاة وارتفاع نسبة الأمية .
لقد تاعملت جمعية تنمية المجتمع المحلي بقرية جعفر مع جذور المشكلة ، التي
تمثلت في بعد أقرب مدرسة لتلاميذ القرية مسافة ثلاث كيلو مترات ، بالإضافة
إلى مخاطر عبور الطريق السريع ، ومخاوف أهل القرية من تعليم الفتيات . ومن
ثم قامت الجمعية بتدبير ست قراريط لبناء المدرسة ، وقامت الهيئة القبطية
بالتعاون مع الصندوق المصري السويسري والسفارة الهولندية بتمويل المشروع ،
وتم افتتاح المدرسة في 10/10/2000 ، وبسعة عشر فصول ، وبعدد تلاميذ 225
تلميذاً وتلميذة ، مع تزايد نسبة الالتحاق للتلاميذ الملزمين بنسبة 35% .
3- نموذج ثالث متميز قدمته جمعية تنمية المجتمع المحلي ببياض العرب استهدف
تطوير العملية التعليمية من خلال دعم العلاقة بين المدرسة والمجتمع .
في مدرسة بياض العرب (بنين) قامت الجمعية بتنشيط دور مجلس الآباء من خلال
لجان أولياء الأمور لمتابعة العمل داخل المدرسة ومواجهة مشكلاتها ، كما
قامت بتنشيط دور المدرسة في المجتمع من خلال توعية التلاميذ والمشاركة في
مشروعات الخدمة العامة للمجتمع . وفي هذا الإطار تطور النشاط المدرسي
للطلاب من خلال المسرحيات والرياضة والأنشطة الترفيهية والرحلات .
وكان أحد الملامح الإيجابية لنشاط الجمعية تطوير البنية الأساسية للمدرسة
وزيادة اللمسات التجميلية من خلال زراعة النخيل بالملاعب والورود والأزهار
وملاعب الكرة، ومتابعة الري والتنظيف للبيئة المحيطة بمشاركة التلاميذ
أنفسهم .
بالإضافة إلى ذلك تم تنظيم دورات تدريبية لرفع كفاءة المعلمين بالمدرسة ،
على أحدث طرق التربية والتعليم والحاسب الآلي ، وتدريب مدرسي الأنشطة ..
إذن حفلت هذه الخبرة باقترابات متكاملة لتطوير عناصر العملية التعليمية
خاصة المعلمين والطلاب وأولياء الأمور والبنية الأساسية .
4- نموذج آخر حديث تطرحه جمعية ركن النور للخدمات الاجتماعية بالسيدة زينب –
القاهرة ، تستهدف فيه خلق جو تعليمي ملائم لتنمية مهارات وقدرات التلاميذ
في المرحلة الابتدائية والمشروع يهدف من خلال ذلك إلى :
- تحسين البنية الأساسية من أجل خفض التسرب .
- تحسين أداء المدرسين لزيادة قدرات التلاميذ على التحصيل .
- تحسين مشاركة التلاميذ في العملية التعليمية .
- تفعيل دور مجالس الآباء .
حقق المشروع الذي تبنته جمعية مشهرة حديثاً (2000) تحسين البنية الأساسية
من خلال ترميم دورات المياه بالتعاون مع هيئة الأبنية التعليمية ، تحسين
إنارة الفصول ، إنارة دورات المياه والملعب ، وسائل إيضاح ، صيانة المدرسة .
هذا إلى جانب شراء أجهزة كمبيوتر للمدرسة وتدريب المدرسين في النشاط الفني
والرياضي والحاسب الإلكتروني ، وتدريب عدد 40 مدرساً ومدرسة في كل
التخصصات المطلوبة ، وتنشيط دور مجالس الآباء .
وفي تقييم نتائج المشروع تبين انتظام التلاميذ في الحضور ، وخفض نسبة
الغياب بالمدرسة ، إضافة أنشطة مهمة للمدرسة ، تفعيل دور مجالس الآباء ،
تطوير الأنشطة الرياضية والفنية مع المدرسة خاصة مع استعانة المشروع بكلية
الفنون الجميلة ، وهي خبرة إضافية للاستعانة بالجامعات .
5- قامت جمعية الخشابة للتنمية بمشروع شامل لمحو الأمية وتم فتح فصول لمحو
الأمية بالتعاون مع الأجهزة الحكومية وإعداد ميسرين وميسرات للعملية
التعليمية، حيث تم العمل مع 355 رجلاً وإمرأة بدعم الهيئة العامة لتعليم
الكبار . وهناك مكون آخر مهم في المشروع وجديد في نفس الوقت هو برنامج
المهارات الحياتية وهو برنامج خاص بالفتيات من سن 8-18 سنة يهتم بإكسابهن
بعض المهارات الحياتية الأساسية وتطوير دورهن في المشاركة الاجتماعية
والسياسية ، كما يساهم في التثقيف الصحي والحد من ممارسة العادات السيئة
القديمة (الختان ، الزواج المبكر، الحرمان من التعليم).
وقد استفاد من فصول المهارات الحياتية 286 مستفيدة تم إعداد وتدريب
الميسرات لهن ومتابعة وتقويم البرنامج في 4 مدارس . وارتبط بالمشروعات
السابقة للجمعية جهود تحسين البنية الأساسية لمدرسة سعد زغلول ، وتصنيع
مقاعد جديدة وتطوير البيئة في بعض المدارس بالإضافة إلى تدريب المعلمين .
ويلفت الانتباه في خبرة الجمعية في مجال محو الأمية للنساء تبني برنامج
الاقتصاد المنزلي – إلى جانب محو الأمية – فيما تعلق بحوالي 250 امرأة .
6- هناك مشروعات عديدة أخرى تبنتها جمعيات أهلية لتطوير بيئة التعليم ،
منها ما تقوم به جمعية الزهرة النيرة القبطية بالبساتين المشتركة
الابتدائية حيث قامت الجمعية بتحسين البنية الأساسية للمدرسة التي تم
بناؤها في أوائل الستينيات . ويتضمن ذلك الأبواب والشبابيك وانشاء خط صرف
صحي لدورات المياه وإصلاح المقاعد وعمليات الإضاءة . وقد صاحب ذلك شراء
الزي المدرسي لعدد 160 تلميذاً غير قادرين لمساعدتهم في الانتظام بالحضور
ومواجهة البعد الاقتصادي كأحد أسباب التسرب ، وتنظيم الرحلات العلمية
والترفيهية للتلاميذ ، وتكوين مجموعات للانشطة المدرسية . بالإضافة إلى
مجموعات عمل ومعسكرات لتشجير ونظافة المدرسة ، ويلفت النظر في هذا النموذج
تبرع إحدى شركات القطاع الخاص ( شركة سان ميناس ) لتطوير البنية الأساسية
للمدرسة .
7- النموذج الآخر المشابه الذي يقع في إطار تحسين بيئة التعليم ، مشروع رفع
كفاءة العملية التعليمية في مدرسة الشيماء الابتدائية بالتعاون مع الجمعية
الأهلية للصم في البساتين . اتجه المشروع نحو إجراء الإصلاحات اللازمة
للبنية الأساسية للمدرسة . ورفع كفاءة المعلمين بالمدرسة وتدعيم المدرسة
بوسائل إيضاح ، وتخصيص عدد 4 فصول للصم في المدرسة ، وهوبعد جديد في هذه
الخبرة التي نطرحها مع تحسين مشاركة التلاميذ في العملية التعليمية (تدعيم
جماعات النشاط ، تنظيم رحلات ، شراء زي مدرسي لعدد 75 تلميذاً ، دفع
المصروفات المدرسية لعدد 85 تلميذاً ) بالإضافة إلى معسكرات النظافة
والتجميل بالمدرسة وتفعيل دور مجالس الآباء .
إن النماذج السابقة، ليست هي الوحيدة في مجال الشراكة بين الجمعيات الأهلية
والحكومة لتطوير العملية التعليمية، وقد سجلت محافظات عديدة إنجازات هائلة
في مجال التعليم ومحو الأمية التي تستهدف مصر القضاء عليها عام 2007.
نشيرفي هذا المجال إلى (6) :
أ- نجاح محافظة السويس في خفض نسبة النساء الأميات في المرحلة العمرية
15-45 سنة إلى 4.8 % من خلال جهود وتكاتف الجمعيات الأهلية ، ودور متميز
لفرع المجلس القومي للمرأة لتوفير واستخراج بطاقات الرقم القومي للنساء ،
والذي لعب دوراً حافزاً للنساء . بالإضافة إلى اقتران جهود محو الأمية
بالتدريب والتأهيل ، والمتابعة المستمرة ، وتوفير الجمعيات لفصول محمو
الأمية وإعداد الكوادر .
ب- نشير أيضاً إلى الخبرة الناجحة في محافظة القليوبية لمحو أمية النساء
وارتباط ذلك بالتدريب على مهن غير تقليدية ، مثل النجارة والسباكة والسجاد ،
وتقديم خدمات صحية منتظمة للنساء المستهدفات . وكان أبرز ما يميز الخطة
المحلية لمحافظة القليوبية ، الشراكة وتوزيع الأدوار والمسئوليات بين
الشركاء ، وهو متطلب رئيسي لفاعلية هذه الشراكة ، وقد كان الشركاء هم
الجمعيات الأهلية (محوأمية 3231 إمرأة ) والجهات الحكومية (1503 فقط)
بالإضافة إلى فرع المجلس القومي كمحرك ومنسق ودور الجامعة والمسئوليات عن
التوعية مثمثلة في دور العبادة .
ج- وفي محافظة بور سعيد حيث تصل نسبة الأميات بين 15-45 سنة إلى 11.3 % .
لعبت الجمعيات الأهلية دوراً إيجابياً في مكافحة الأمية حيث سجلت إحصاءات
المحافظة نجاح الجمعيات في الوصول إلى عدد كبير من المستهدفات يفوق ما نجحت
فيه الهيئة العامة لمحو الأمية , مع بروز ملامح اهتمام القطاع الخاص
بالقضية ، وكذلك من جانب بعض الأحزاب السياسية ، وهي بداية مبشرة .
د- وأخيراً نعرض نموذج محافظة الغربية حيث تصل النساء الأميات إلى 12.85
% في الفئة العمرية من 15-45 ، ارتبط مكافحة الأمية بالتعليم الوظيفي
، وقامت الجمعيات الأهلية – وأهمها جمعية تنمية المجتمع – بمحو أمية 2217
سيدة وفقاً للبيانات المتاحة عن المحافظات .
خلاصة القول، إن الألفية الجديدة قد شهدت نماذج إيجابية عديدة متنوعة لدور
الجمعيات الأهلية في النهوض بالتعليم ومكافحة الأمية، والتي تمت في أغلبها
في إطار شراكات.
ينبغي أن نتوجه في هذا السياق ببعض التوصيات الأساسية :
1- تأسيس قواعد بيانات لحصر الأميين من الإناث والذكور على مستوى المحليات وفي كل محافظة .
2- دعم وتشجيع المحافظات للجمعيات الأهلية التي تتوجه نحو تطوير التعليم ومكافحة الأمية وتطوير شراكات فاعلة معها .
3- تحقيق الارتباط بين جهود مكافحة الأمية من خلال الجمعيات ، والتعليم
الوظيفي التدريبي ، وبعض الحوافز الإيجابية الأخرى مثل توفير الرقم القومي
والخدمات الصحية .
4- ربط مكافحة الأمية على مستوى المحليات والمحافظات ، بمنهجية تعليمية ترتبط بالبيئة التعليمية .
5- دعم وتشجيع التشبيك بين الجمعيات العاملة في مجال التعليم .
6- تشجيع النماذج الإيجابية من الجمعيات التي تصدت لقضية التعليم مكافحة الأمية ، وتسجيل وتوثيق خبراتها ورصد جوائز لها في كل عام .
ثالثاً : الجمعيات الأهلية وتطوير الخدمات الصحية والصحة الإنجابية للمرأة
كشفت استمارات فروع المجلس القومي للمرأة التي تمثل الدليل الاسترشادي
لتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية (7) ، عن أن الجمعيات الأهلية التي تقدم
الخدمة الصحية ، تأتي في أغلب الأحوال في المرتبة الثانية بعد الجهات
الحكومية . ويفسر ذلك انتشارها الواسع وسط القواعد الشعبية ، وتقديمها خدمة
صحية بنوعية عالية ، وإن مقابل الخدمة الصحية إن وجد ، يغطي فقط تكلفة
الخدمة . هذا ولم تتوافر بيانات شاملة عن إعداد المستفيدين من الخدمات
الصحية عامة والصحة الإنجابية خاصة ، إلا أن البيانات المتوافرة في المسح
الصحي الشامل تشير إلى أنه لا يقل عدد المستفيدين من الخدمات الصحية
للجمعيات عن 16% من إجمالي طالبي الخدمة الصحية ، وهو مايشير إلى عدة
ملايين .
ويتميز مجال تقديم خدمات الصحة والصحة الإنجابية خاصة ، أنه لا يتم بمعزل
عن الحكومة (وزارة الصحة ) فهو يخضع لإشرافها العام ودعمها في بعض الأحيان .
وقد حدث تطور إيجابي في الشراكة بين وزارة الصحة والجمعيات التي تقدم
الخدمات الصحية ، في مطلع الألفية . حيث أن العلاقة من قبل قد ركزت على
اسناد مشروعات للجمعيات دون شراكة حقيقية (تنسيق وتعاون ومشاركة في التخطيط
) . ونعرض فيما يلي نموذجاً ناجحاً من أسوان لشبكة جمعيات الصحة الإنجابية
التي تأسست في مطلع الألفية ، وفي إطار شراكة مع وزارة الصحة(
.
تبذل جهود كبيرة من جانب وزارة الصحة ، ومن جانب مئات من الجمعيات الأهلية
في مصر ، كما يتوجه قدر كبير من المعونة الأجنبية ، نحو توسيع نطاق
الخدمات الصحية في القرى والنجوع (خاصة الوجه القبلي ) والاهتمام بقضية
تنظيم الأسرة ، والتي تقع حالياً ضمن ما يعرف بالصحة الإنجابية للمرأة .
لقد أوضح أحدث مسح صحي عدد محدود من مستخدمي وسائل تنظيم الأسرة ، وطالبي
الصحة الإنجابية يحصلون على الخدمات الصحية من الجمعيات الأهلية . إن هذه
النتيجة تشير إلى الخدمات الصحية في الوجه القبلي – عن طريق الجمعيات
الأهلية تتسم بالمحدودية ، وإذا أمكن تفعيل دور هذه المنظمات غير الحكومية ،
فإن ذلك يعني تحقيق أهداف تقوية ونشر الخدمات الصحية من ناحية وزيادة
فعالية سياسات الصحة الإنجابية من ناحية أخرى .
من هذا المنظور تبرز أهمية خبرة الشراكة بين مجموعة من الجمعيات الأهلية
في محافظة أسوان ، وبين وزارة الصحة ، حيث اتسمت هذه الخبرة بعدة أمور :
1- تشكيل شبكة أو مايعرف باسم "تحالف الجمعيات " بين ما يقرب من 46 جمعية أهلية نشطة في مجال التنمية ، في إطار محافظة أسوان .
2- التوسع التدريجي في الشبكة – من خلال أعضائها من الجمعيات –وذلك في
القرى والنجوع بالمحافظة ،خاصة تلك التي لا تتوافر فيها مراكز صحية .
3- ارتبط بذلك ، وعلى مستوى المحافظة المذكورة ، تأسيس مجلس للصحة
الإنجابية للمرأة ، يقوم بدور تنسيقي بين الأطراف ، ويوزع الأدوار مابين
وزارة الصحة من جانب ، والجمعيات الأهلية ضمن الشبكة من جانب آخر.
4- دور مهم يلعبه الاتحاد الإقليمي للجمعيات والمؤسسات الأهلية في أسوان، باعتباره الإطار العام الذي يضم كل أعضاء الشبكة .
خبرة الشراكة هذه بين وزارة الصحة والجمعيات الأهلية في أسوان، تعود
إلىالألفية الجديدة، ففي عام 2000 وبعد الوقوف على الثغرات في أداء الخدمات
الصحية، بادرت وزارة الصحة، وبالتعاون مع المحافظة والمجالس المحلية
والاتحاد الإقليمي للجمعيات بأسوان، إلى دعوة جمعيات التنمية إلى ورشة عمل
لتحديد أولويات القضايا الصحية في أسوان والإشكاليات التي تواجهها، وطرح
شراكة الوزارة لشبكة من الجمعيات الأهلية لتطوير عملية التخطيط وصنع
السياسة الصحية من جهة وتحسين كفاءة الخدمة الصحية من جهة أخرى.
وفى نهاية ورشة العمل هذه تشكلت نواة التحالف أو الشبكة المذكورة، وحدث
توافق حول الأهداف، وكذلك عملية تقسيم وتوزيع الأدوار بين الشركاء.
نلحظ في هذه الخبرة عدة أمور أولها أن الشراكة قد اعتمدت على شبكة Network،
ثانيها الامتداد إلى قرى ونجوع محافظة أسوان ثالثها أن هذا التحالف بعيد
عن العاصمة والمراكز الحضرية الكبرى رابعها أنه ارتبط بعملية بناء للقدرات
building Capacity لأعضاء الشبكة لتهيئتهم للشراكة في تقديم الخدمة الصحية،
خامسها أن الإتحاد الإقليمي للجمعيات بأسوان تم تفعيل دورة لكي يتحمل
مسئولياته في التنسيق والتشبيك بين الجمعيات وبناء القدرات.
ولقد تمثل الهدف الرئيسي من الشبكة / التحالف في توظيف كل الموارد البشرية
والمادية المتاحة من الجمعيات ووزارة الصحة في مجال تحسين كفاءة الخدمة
الصحية وتقديم خدمات الصحة الإنجابية للمرأة مع تحسين نوعية الخدمة وتسهيل
الوصول إليها.
ومن جانبه فإن التحالف المذكور من الجمعيات توافق على أن يقوم بدور دفاعي
مساند Advocacy لقضية تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية للمرأة، وأن يقوم
بالتوعية وزيادة مستوى الوعي بالقضايا المطروحة، وبناء قدرات الجمعيات
الأهلية على مستوى المحافظة لتفعيل دورها في هذا المجال وتغيير اتجاهات
المرأة والشباب إزاء قضايا تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية للمرأة.
لقد أتسع نطاق التحالف/ الشبكة تدريجياً حتى وصل عام 2004 إلى 56جمعية
أهلية، نشطة في مجال تقديم الخدمة الصحية، أو تنظيم الأسرة، الطفولة
والأمومة، أو التنمية المحلية.
ولتيسير عمل الشبكة تشكلت عدة لجان، أهمها لجنة تنمية المشروع ولجنة البحوث
والمعلومات، ولجنة المشاركة، ولجنة التدريب.. في ضوء التوافق بين الأهداف
بدأ تحالف الجمعيات ووزارة الصحة (مديرية الشئون الصحية بأسوان) التحرك
بشكل علمي وعملي استناداً على تقييم ميداني للاحتياجات في أسوان، وتم بناءً
على ذلك اختيار عدة مناطق وجمعيات لتضم عيادات طبية.وفى العام التالي تم
الاتفاق بين الشركاء على استراتيجية التنمية الصحية بمحافظة أسوان والتي
تنتهي نهاية عام 2005، وكان هذا الاتفاق حول الاستراتيجية – في ورشة عمل –
بمثابة تدريب وتهيئة كل الأطراف للشراكة وتوزيع الأدوار والمسئوليات وتحديد
المخرجات مع نهاية الخطة.
ومن المهم الإشارة في هذا السياق، إلى أن شراكة وزارة الصحة مع شبكة
الجمعيات في أسوان،قد ارتبطت بعملية بناء قدرات مهمة للجمعيات التي يضمها
التحالف / الشبكة وبهدف رفع كفاءة العاملين والمتطوعين في هذه الجمعيات
بالإضافة إلى القادة الطبيعيين في المجتمعات المحلية، ونساء وشباب على
المستوى المحلى.
إن تحالف وزارة الصحة مع شبكة الجمعيات الأهلية بأسوان، قد أسفر عن افتتاح
عيادات ومراكز صحية في مناطق مختلفة في أسوان، خاصة المناطق المنعزلة أو
النائية التي كان يصعب فيها تقديم الخدمات الصحية.
وقد أدى ذلك إلى توسيع دائرة المنتفعين، والوصول إلى المستهدفين من مشروع
الخدمة الصحية، وإيقاظ الوعي العام المجتمعي وقيادات المجتمع المحلى
للمشاركة في تقديم الخدمة الصحية وتغيير الاتجاهات المجتمعية.بالإضافة إلى
أن خبرة الشراكة هذه قد ارتبطت بعملية بناء قدرات المجتمع المدني، من خلال
التشبيك والتدريب وورش العمل، وتشكيل اللجان التنسيقية.
وفى مجال البيئة، يمكن رصد حوالي 200جمعية أهلية تنشط في مجالات مختلفة، أبرزها:
- التوعية، وهو متطلب أساسي لتوفير الوعي البيئي الذي يضمن نجاح الجهود
الحكومية والأهلية، وهى تمتد إلى الأطفال في المدارس والطلاب في الجامعات،
والمجتمعات المحلية.
- الاهتمام بالنظافة والتشجير.
- تطوير المناطق العشوائية.
- تدوير المخلفات.
- المرأة الريفية والبيئة.
- افتتاح خط ساخن لتلقى ومتابعة الشكاوى.
- تلوث الهواء والبيئة.
ومن المؤشرات الإيجابية اللافتة للاهتمام، على مستوى المحافظات فيما تعلق بتحدي البيئة، مايلى (9):
1. مراكز ومؤسسات أكاديمية في بعض المحافظات تتعاون مع الجمعيات النشطة في
مجال البيئة (مركز أبحاث البيئة بجامعة أسيوط وتعاونه مع 12 جمعية للبيئة).
2. دور متميز لشراكة القطاع الخاص مع جمعيات البيئة في المحافظات (دور القطاع الخاص و9جمعيات للبيئة في محافظة بورسعيد).
3. دور متميز للجمعيات الأهلية البيئية في محافظة السويس (10جمعيات للبيئة)
يدعمه دور مساند للقطاع الخاص والمحافظة لتحقيق تطوير شامل في عشوائيات
السويس.
4. دور متميز لمركز الدراسات القومية بمحافظة القليوبية لتلقى شكاوى مباشرة من المواطنين فيما يتعلق بتلوث البيئة.
الخلاصة إذن، أن جمعيات البيئة التي تستهدف توعية المواطن والحفاظ على
البيئة، تلعب دوراً مهماً على مستويات عديدة في مجال البيئة، وهى طرف مشارك
لجهاز شئون البيئة وأفرعة بالمحافظات، وقد قادت الجمعيات مبادرات طيبة في
التصدي للقضية.
رابعاً: الجمعيات الأهلية وتعزيز المساواة بين الجنسين
ينشط قطاع من الجمعيات الأهلية على محور التمكين السياسي وتعزيز المساواة
بين الجنسين، وفقاً لالتزام مصر بالاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها. وإذا
كان لا يتوافر تقدير دقيق لدى الجهات الرسمية عن عدد المنظمات النسائية في
مصر – والتي يفترض توجهها إلى هذا الهدف – فإن الكاتب استناداً على دراسة
سابقة له. يقدر عدد هذه المنظمات / الجمعيات بحوالى 200 منظمة نسائية.بمعنى
أنها تعلن عن نفسها وتحدد أهدافها باعتبارها جمعية نسائية تستهدف النهوض
بالمرأة. بعض هذه الجمعيات يفتح أبوابه لعضوية الذكور سواء في مجلس الإدارة
أو الجمعية العمومية (رابطة المرأة العربية، جمعية النهوض بالمرأة )
وبعضها الآخر مغلق العضوية يقتصر على النساء.
أن هذه الجمعيات تسعى إلى تمكين المرأة، بمعنى توسيع فرص الخيارات أمامها
وبناء قدراتها وبناء وعيها بذاتها وبدورها. إلا أن الواقع يشير إلى أنه
مازال قطاع كبير من هذه المنظمات ينشط من منطلق توفير الاحتياجات الأساسية،
وهو اقتراب يختلف تماماً عن المنظمات التي تتبنى التوجه الاستراتيجي.
الأخيرة تسعى إلى التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للنساء، والأولى
تقتصر على تقديم خدمات أساسية ورعاية اجتماعية.
إذن المجال الأول لحركة قطاع من الجمعيات النسائية، يشكل الغالبية، هو
تقديم خدمات ورعاية اجتماعية.أما المجال الثاني المهم فهو قطاع من هذه
المنظمات ينطلق من التوجه التنموي التمكينى، بمعنى أنه يوفر للمرأة التدريب
والتأهيل وفرص العمل ( القروض والمشروعات الصغيرة)، ويسعى إلى زيادة دورها
في التنمية البشرية، أما القطاع الثالث والأخير من المنظمات النسائية، فهو
حديث يتسم بالتوجه الحقوقي الدفاعي Advocacy وينشط بشكل رئيسي في التوعية
القانونية للمرأة بالحقوق والواجبات، وتوفير البطاقات الشخصية، والبطاقات
الانتخابية، والدفاع عن المرأة المهمشة الفقيرة، والدفاع عن النساء
المعنفات.
إن الأنماط الثلاثة السابقة تنشط معا، وتتفاعل لكي تحقق هدفاً أو أخر من
أهداف النهوض بالمرأة المصرية، سواء على مستوى التمكين الأقتصادى، أو
الاجتماعي، أو السياسي والقانوني.
والمتابع لحركة الجمعيات النسائية، يلحظ توجهها في سنوات الألفية نحو القضايا والأولويات التالية:
- تخصيص حصة للنساء( الكوتا) في البرلمان.
- الدفع والتوعية للمشاركة السياسية للمرأة على كل أصعدة المجالس الشعبية والتنفيذية، والبرلمان ،ومؤسسات المجتمع المدنى.
- تطوير قانون الأسرة.
- حق أبناء الأم المصرية في الحصول على جنسيتها.
- تعزيز المساواة بين الجنسين في القضاء والسلك النيابي.
- تبنى قضية المرأة المعيلة.
- التأهيل والتدريب وفرص العمل.
- الأمية القانونية وتوفير فرص الدفاع القانوني.
- قضية العنف ضد المرأة.
- تعزيز المساواة بين الجنسين في تقلد الوظائف الإدارية العليا.
إن هذه القضايا والأولويات، قد وضعت على جدول اهتمام المنظمات النسائية في
مصر في الألفية الثالثة، بفعل عوامل إقليمية وعالمية وطرح قضية الإصلاح
الشامل في مصر، ومن بين مكوناتها النهوض بالمرأة المصرية.
وهناك نماذج ناجحة كثيرة لجمعيات نسائية تنشط على صعيد القضايا والأولويات
السابقة، واتبعت مناهج جديدة للوصول إلى القاعدة الشعبية من النساء، من
منظور التوجه الاستراتيجي. وهذه النماذج الناجحة اقتربت من القضايا من
منظور شامل ومتكامل، يربط التمكين السياسي بالتمكين الاجتماعي والاقتصادي،
ويرى التعامل مع قضايا المرأة من منظور الإقرار بتفاعل الاعتبارات السابقة
معاً. البعض من هذه المنظمات ( رابطة المرأة العربية) قد نجح في خلق شراكة
بين شبكة من الجمعيات المعنية بالمرأة، وعزز مشروعاته ( المشاركة السياسية
للمرأة) بشراكة مع البرلمان والحكومة.
ومن هنا نقترح ما يلي من توصيات لدعم دور الجمعيات المعنية بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة:
1. بناء قدرات الجمعيات المعنية بالمرأة.
2. أحد المكونات الأساسية لبناء القدرات هو توفير رؤية شاملة ومعنى علمي لمفهوم تمكين المرأة.
3. توفير قاعدة بيانات شاملة عن الجمعيات المعنية بالمرأة، من حيث الأهداف،
والتوزيع الجغرافي، والعضوية، وأبرز المشروعات، والمصادر المالية وغيرها.
4. تشجيع التشبيك وخلق اتحادات نوعية بين الجمعيات المعنية بالمرأة.
5. توفير فرص التواصل وتبادل الخبرات بينها وبين المنظمات العربية والدولية المماثلة.
6. توثيق ورصد الخبرات الناجحة في ضوء معايير واضحة للنجاح.
خاتمة
حرصت الورقة في صفحاتها السابقة على مناقشة دور الجمعيات الأهلية في تنفيذ
الأهداف الإنمائية للألفية، وقد ركزنا على مكافحة الفقر، وتطوير التعليم
ومكافحة الأمية، وتطوير الخدمات الصحية والصحة الإنجابية، والبيئة، وتعزيز
المساواة بين الجنسين. وقد عمدنا إلى الدمج بين المؤشرات والبيانات العامة
من ناحية، وبين طرح نماذج وخبرات تعكس الشراكة ومشاركة المجتمع المحلى.
وفي النهاية نستطيع أن نقول أن النماذج الناجحة من خبرات الجمعيات الأهلية، قد توافر لديها السمات والاعتبارات التالية:
1. رسالة Mission واضحة وأهداف محددة تسعى إليها.
2. رؤية نقدية للواقع ورغبة في التطوير.
3. تبنى مفهوم التمكين وليس الخيرية.
4. بناء شراكات مع أطراف أخرى.
5. تطوير مشاركة المجتمع المحلى.
6. توافر آليات للتنسيق والمتابعة والتقييم.
المراجع
1. د.أماني قنديل، قياس فعالية المجتمع المدني، تحت الطبع (2005).
2. د. أماني قنديل،"فعالية الشراكة"، في المرجع السابق.
3. لمزيد من التفصيل، راجع:دور المنظمات الأهلية العربية في مكافحة الفقر، الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، القاهرة: 2004.
4. دراسة حول الأوضاع الراهنة للنساء المعيلات في المناطق التي ينفذ فيها
مشروع المرأة المعيلة، المجلس القومي للمرأة، القاهرة:2004، ص ص
5،6.
5. بيانات الإدارة العامة للجمعيات الأهلية، وزارة التربية والتعليم، القاهرة، 2004.
6. اعتمدنا في هذا الجزء على استمارات فروع المجلس القومي للمرأة في
المحافظات عن تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية، لجنة المحافظات، القاهرة،
2005.
7. نفس المرجع.
8. وثائق تأسيس ومتابعة ائتلاف جمعيات أسوان للصحة الانجابية.
9. استمارات فروع المجلس القومي للمرأة ، م.س.ذ.