كيف انتقم الله من الذين سبوا الرسول صلى الله عليه وسلمعبر التاريخ؟!
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ}
كيف انتقم الله من الذين سبوا الرسول صلى الله عليه وسلمعبر التاريخ؟
قصة كسرى وقيصر المشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم جديرةبالتأمل، فقد كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع كلاهما منالإسلام، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبت اللهملكه، وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ برسولالله صلى الله عليه وسلم، فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، ولم يبقللأكاسرة ملك. (الصارم المسلول: 144)
وكان من أثر ذلك ما ذكره السهيليُ أنه بلغه أن هرقل وضعالكتاب في قصبة من ذهب تعظيمًا له، وهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عندملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سبطه، فحدثني بعض أصحابنا أنعبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك بن سعد أحد قوادالمسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسال أنيمكنه من تقبيله فامتنع، ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملكالفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منهاكتابًا قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير، فقال: هذا كتابنبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه مادام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ،ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا.
وإليكم هذا الخبر العجيب!
كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إلىمحمد ولأوذينّه في ربه سبحانه وتعالى، فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليهوسلم فقال: يا محمد (هو يكفر) بالذي دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك".
ثم انصرف عنه، فرجع إلى أبيه فقال: يا بني ما قلت له؟ فذكر له ما قاله،فقال: فما قال لك؟ قال: قال: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك". قال:يا بني، والله ما آمن عليك دعاءه!
فساروا حتى نزلوا بالشراة وهي أرضٌ كثيرة الأسد، فقال: أبو لهب إنكم قد عرفتم كبر سنيوحقي، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه، فاجمعوامتاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها، ففعلنا،فجاء الأسد فشمَّ وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة، فإذا هوفوق المتاع فشمَّ وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه!! فقال أبو لهب: قد عرفت أنهلا يتفلت من دعوة محمد!! (تفسير ابن كثير).
وذكر الكتانيّ في ذيل مولد العلماء (1/139) أنه ظهر في زمن الحاكم رجلٌ سمّى نفسههادي المستجيبين، وكانوا يدعون إلى عبادة الحاكم، وحُكيَ عنه أنّه سبَ النبيّصلى الله عليه وسلم، وبصق على المصفح، فلما ورد مكة شكاه أهلها إلى أميرها،فدافع عنه، واعتذر بتوبته، فقالوا: مثل هذا لا توبة له! فأبى، فاجتمعالناس عند الكعبة وضجوا إلى الله، فأرسل الله ريحًا سوداء حتى أظلمت الدنيا،ثم تجلت الظلمة وصار على الكعبة فوق استارها كهيئة الترس الأبيض لهنور كنور الشمس، فلم يزل كذلك ترى ليلاً ونهارًا، فلما رأى أمير مكة ذلك أمربـ"هادي المستجيبين" فضرب عنقه وصلبَه.
وذكر القاضي عياض في الشفا (2/218) قصة عجيبة لساخر بالنبي صلى الله عليه وسلم! وذلك أن فقهاء القيروانوأصحابَ سحنون أفتوا بقتل إبراهيم الفزاري وكان شاعرًا متفننًا في كثيرمن العلوم، وكان يستهزئ بالله وأنبيائه ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم،فأمر القاضي حيى بن عمر بقتله وصلبه، فطُعن بالسكين وصُلب مُنكسًا، وحكىبعضُ المؤرخين أنه لما رُقعت خشبته، وزالت عنها الأيدي استدارت وحوَّلته عنالقبلة فكان آيةً للجميع، وكبر الناسُ، وجاء كلبٌ فولغ في دمه!!
وحكى الشيخ العلامة أحمد شاكر أن خطيبًا فصيحًا مفوهًا أراد أن يثني على أحد كبارالمسؤولين لأنه احتفى بطه حسين فلم يجد إلا التعريض برسول الله صلى اللهعليه وسلم.. فقال في خطبته: جاءه الأعمى فما عبس وما تولى!!
قال الشيخ أحمدُ: ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا،قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسم بالله لقد رأيته بعيني رأسي ـ بعد بضعسنين، وبعد أن كان عاليًا منتفخًا، مستعزًا بمن لاذ بهم من العظماءوالكبراء ـ رأيته مهينًا ذليلاً، خادمًا على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقىنعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار!!
وذكروا أن رجلاً ذهب لنيل الشهادة العليا من جامعة غربية، وكانترسالتُهُ متعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان مشرفه شانئًا حانقًا،فأبى أن يمنحه الدرجة حتى يضمن رسالته انتقاصًا للمصطفى صلى الله عليه وسلم، فضعفت نفسه، وآثرالأولى على الآخرة. فلما حاز شهادته ورجع إلى دياره فجئ بهلاك جميع أولادهوأهله في حادث مفاجئ.
لا إله إلا الله.
صدق الله.. {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ}.
وليعلم أن كفاية الله لنبيه ممن استهزأ به أو آذاه ليست مقصورة على إهلاكهذا المعتدي بقارعة أو نازلة.
بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة..
فقد يكفيه الله عز وجل بأن يسلط على هذا المستهزئ المعتدي رجلاًمن المؤمنين يثأر لنبيه صلى الله عليه وسلم، كما حصل في قصة كعب بنالأشرف اليهودي الذي كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، واليهودية التي كانتتشتم النبي صلى الله عليه وسلم فخنقها رجل حتى ماتت (أبو داود) وأم الولد التي قتلها سيدها الأعمى لما شتمتالنبي صلى الله عليه وسلم (أبو داود)، وأبي جهل إذ قتله معاذ ومعوذ لأنهكان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخطْمية التي هجت النبي صلى اللهعليه وسلم فانتدب لها رجل من قومها (الصارم المسلول 95)، وأبي عَفَكاليهودي الذي هجا النبي صلى الله عليه وسلم فاقتصه سالم ابن عمير (الصارمالمسلول 102)، وأنس بن زُنَيم الذي هجا النبي صلى الله عليه وسلم فشجه غلام منخزاعه (الصارم المسلول 103)، وسلام ابن أبي الحقيق إذ ثأر للنبي صلى الله عليه وسلم منه عبدالله بن عتيك وصحبه (الصارم المسلول 135).
ولعل أغرب وأعجب وأطرف ما وقفت عليه في هذا الباب ما ذكره شيخالإسلام ابن تيمية في مؤلفه المشهور (الصارم المسلول على شاتم الرسول) (ص: 134)،قال رحمه الله: وقد ذكروا أن الجن الذين آمنوا به، كانت تقصد من سبهمن الجن الكفار فتقتله، فيقرها على ذلك، ويشكر لها ذلك!
ونقل عن أصحاب المغازي أن هاتفًا هتف على جبل أبي قبيس بشعر فيهتعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم، فما مرت ثلاثة ايام حتى هتف هاتف علىالجبل يقول:
نحن قتلنا في ثلاث مسعرا إذ سفه الحق وسن المنكرا
قنّعتُهُ سيفًا حسامًا مبتـرا بشتمـه نبينـا المطهـرا
ومسعر ـ كما في الخبر ـ اسم الجني الذي هجا النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن صور كلاءة الله لنبيه ممن تعرض له بالأذى أن يحول بينالمعتدي وبين ما أراد بخوف يقذفه في قلبه، أو ملك يمنعه مما أراد.. وقد روي أنغورث بن الحرث قال لأقتلن محمدًا، فقال له أصحابه، كيف تقتله؟ قال: أقول لهأعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به. فأتاه فقال: يا محمد أعطني سيفكأشمّه، فأعطاه إياه فرعدت يده، فسقط السيف، فقال رسول الله صلى الله عليهوسلم: "حال الله بينك وبين ما تريد" (الدرالمنثور 3/119).
ومثل ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسيره (4/530) من أن أبا جهل قاللقومه: واللات والعزى لئن رأيت محمدًا يصلي لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب، فأتى رسولالله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهوينكص على عقبيه ويتقي بيديه! فقيل: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه خندقًا مننار وهولاً وأجنحة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا".
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رجالاً من قريش اجتمعوا في الحجر،ثم تعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف أن لو قد رأوامحمدًا لقد قمنا إليه مقام رجل واحد فقتلناه قبل أن نفارقه، فأقبلت ابنتهفاطمة تبكي حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: هؤلاء الملأ منقومك لقد تعاهدوا لو قد رأوك قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل واحد إلا قد عرف نصيبهمن دمك. فقال: "يا بنية آتيني بوضوء"، فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: هاهو ذا،وخفضوا أبصارهمن وسقطت أذقانهم في صدورهم، فلم يرفعوا إليه بصرًا، ولميقم منهم إليه رجل، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم،وأخذ قبضة من التراب ثم قال: "شاهت الوجوه"، ثم حصبهم بها فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصا حصاةٌ إلى قتليوم بدر كافرًا. (دلائل النبوة 1/65).
لا إله إلا الله..
صدق الله.. {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ}.
ومن صور حماية الله لنبيه، وكفايته إياه استهزاء المستهزئين أن يصرف الشتيمة والذموالاستهزاء إلى غيره.. فإذا بالشاتم يريد أن يشتمه فيشتم غيره من حيث لا يشعر!!
قال صلى الله عليه وسلم: "ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم،يشتمون مذممًا، ويلعنون مذممًا، وأنا محمدٌ"! (البخاري)، قال ابن حجر (الفتح 6/558):كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسم الدال علىالمدح، فيعدلون إلى ضده فيقولون: مذمم، وإذا ذكروه بسوء قالوا: فعل اللهبمذمم. ومذمم ليس اسمه، ولا يعرف به، فكان الذي يقع منهم مصروفًا إلى غيره!
لا إله إلا الله..
صدق الله.. {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ}.
ومن صور الحماية الربانية أن يغير الله السنن الكونية صيانة لنبيه صلى اللهعليه وسلم ورعاية له.
وشاهد ذلك قصة الشاه المسمومة، فهذه زينب بنت الحارث جاءت للنبيصلى الله عليه وسلم، بشاة مشوية دست فيها سمًا كثيرًا، فلما لاك النبي صلىالله عليه وسلم منها مضغة لم يسغها، وقال: "عن هذا العظم يخبرني أنه مسموم"! ثم دعا باليهودية فاعترفت.
فانظر كيف خرم الله السنن الكونية من جهتين:
أولاهما: أنه لم يتأثر صلى الله عليه وسلمبالسم الذي لاكه.
وثانيتهما: أن الله أنطقَ العظم فأخبره عليهالصلاة والسلام بما فيه.
ومن صور الكفاية الربانية لنبي الهدى صلى الله عليه وسلم ممنآذاه أن يقذف الله في قلب هذا المؤذي المعتدي الإسلام، فيؤوب ويتوب، حتىيكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ماله وولده ووالده والناس أجمعين!!
ومن أعجب الأمثلة في ذلك قصة أبي سفيان بن الحارث أخي النبي صلىالله عليه وسلم من الرضاع، وكان يألف النبي صلى الله عليه وسلم أيام الصباوكان له تربًا، فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم عاداه أبو سفيانعداوةً لم يعادها أحدًا قط، وهجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجاأصحابه.. ثم شاء الله أن يكفي رسوله صلى الله عليه وسلم لسان أبي سفيان وهجاءه،لا بإهلاكه وإنما بهدايته!! قال أبو سفيان عن نفسه: ثم إن الله ألقى فيقلبي الإسلام، فسرت وزوجي وولدي حتى نزلنا بالأبواء، فتنكرت وخرجت حتى صرتتلقاء وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ملأ عينيه مني أعرض عنّي بوجهه إلىالناحية الأخرى، فتحولت إلى ناحية وجهه الأخرى.
قالوا: فما زال أبو سفيان يتبعُهُ، لا ينزلُ منزلاً إلا وهو على بابهومع ابني جعفر وهو لا يكلمه، حتى قال أبو سفيان: والله ليأذنن لي رسول له أولآخذن بيد ابني هذا حتى نموت عطشًا أو جوعًا، فلما بلغ ذلك رسول الله صلىالله عليه وسلم رق لهما فدخلا عليه. (انظر سيرة ابن هشام 4/41). فسبحان منحوّل العداوة الماحقة إلى حب وتذلل، وملازمة للباب طلبًا للرضا!!
لا إله إلا الله..
صدق الله.. {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ}.
بقلم:د. عادل باناعمة .