فهى ألقاب وليست أسماء
كثير من المسلمين للأسف لم يسمع عنه شيئا مطلقا , رغم أنه حكم شبه القارة الهندية 52 سنة !!!
قال عنه شيخنا على الطنطاوى : " بقية الخلفاء الراشدين "
دعونا الآن نسرد سيرته العطرة , ومصادرى فى ذلك :-
1- كتاب "رجال من التاريخ" للشيخ على الطنطاوى
2- كتاب " الهند فى ظل السيادة الإسلامية – دراسات تاريخية" للدكتور أحمد محمد الجورانه – جامعة اليرموك
3- درس صوتى عن حياة أورنك زيْب للشيخ الدكتور محمد موسى الشريف – حفظه الله
4- بعض المصادر الأجنبية الموجودة على الانترنت – انقل منها المعقول والمأثور وأترك ماكان منافيا للدين او العقل
نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان : -
إذاكان يعتصر القلب حزنا وألما على فقدان المسلمين للأندلس , فوالله ماكانتالأندلس بالنسبة للهند المسلمة إلا كمقاطعة صغيرة أو مدينة يحكمها أحدولاة السلطان
وإنكان خلّف المسلمون فى الأندلس مسجد قرطبة , فهذا مسجد بادشاهى فى لاهور أوالمسجد الجامع فى الهند يقف شامخا يدل على إبداع وروعة الحضارة الإسلاميةفى الهند
وإن كان خلّف المسلمون فى الأندلس الحمراء والقصبة , فهذا حصن أجرا يقف اللسان عاجزا عن وصف حسنه وجماله
وإنخرج من الأندلس رجالا ملئوا الدنيا بعلمهم , فيكفى أن تسأل أحد طلبة العلمعن علماء الهند وتحلى وقتها بالصبر لطول المدة التى ستقضيها سامعا لأسماءالعلماء التى سيعددها لك طالب العلم
وإن خرج من الأندلس حكاما عظاما وخلفاء عظماء , فيكفى ذكر محمود بن سبكتكين وذكر اسم صاحبنا وسلطاننا وعظيمنا "السلطان أورنك زيْب عالكمير"
ولادته ونشأته : -
ولد السلطان أورنكْ زيْب في بلدة "دوحد" في كجرات بالهند في (15 من ذي القعدة 1028هـ = 24 من أكتوبر 1619م) .
نشأفى بيت عز وترف وشرف , فأبوه هو "السلطان شاه جيهان" أحد أعظم سلاطين دولةالمغول المسلمين فى الهند , وهو بانى مقبرة "تاج محل" الشهيرة التى تعدالآن من عجائب الدنيا السبع الحديثة , تم بنائها فى 20 عاما وعمل علىإنشائها أكثر من 21.000 شخص , ولا حول ولا قوة إلا بالله , هكذا صرف أبوهفى آخر أيامه كل جهده فى إنشاء مقبرة لزوجته المحبوبة وظل مفتون بها فضعفتأمر السلطنة وظهرت بوادر الفتن والثورات مما اضطر أورنجزيب أن يقومبإنتزاع السلطنة من أبيه كما سيأتى بيانه إن شاء الله .
ظهر من "أورنك زيْب "منذ صغره علامات الجد والإقبال على الدين والبعد عن الترف والملذات , وكانفارسا شجاعا لا يشق له غبار , ويروى فى ذلك قصة , كان مع إخوته فى يومبحضور أبيه "السلطان شاه جيهان" فى إحتفال وكان فى الإحتفال فقرة لحلبةأفيال , فشرد فيل من الحلبة وجرى نحو "أورنك زيْب " وهو آنذاك ابن 14 عاما , فضرب الفيل الفرس الذى يمتطيه أورنجزيب بخرطومه وطرح أورنك زيْب أرضا وأقبل نحو أورنك زيْب , فثبت أورنك زيْب فىمكانه واستل سيفه وسط ذهول الناس وإكبارهم بهذا الأمير الصغير وظل يدافععن نفسه أمام الفيل الضخم حتى جاء الحرس وطردوا الفيل الضخم .
ونشأ وترعرع محبا لمذهب أهل السنة واستقى الدين على مذهب الأمام ابو حنيفة , فهو نشأ وتربى تربية إسلامية خالصة لا تشوبها شائبة .
فقدكان أبو جده "جلال الدين أكبر" فى أواخر أيامه حمل الناس على دين جديديحمع بين الديانة الهندوسية والإسلام – ولا حول ولا قوة إلا بالله - ومنعالجزية عن الهندوس وغير المسلمين فأتى بذلك أمر لم يسبقه إليه أحد منسلاطين المسلمين من قبل , ولم يقم فى وجه هذا السلطان احد وظل الأمر كذلكولكن أبى الله إلا أن يتم نوره فظهر هذا الرجل الضعيف الجسم الشيخ الجليلأحمد السرهندى وأخذ يدعو الأمراء وقواد الجيش وذكرهم بالله وأحيا فىنفوسهم حمية الدين ولما مات السلطان أكبر جاء من بعده السلطان "جهانكير" ,تولى الشيخ محمد معصوم السرهندى ابن الشيخ أحمد السرهندى تربية طفل صغيروبذل له رعايته كلها فنشأ نشأة دينية وفرأ القرآن فجوده , والفقه الحنفىوبرع فيه , والخط فأتقنه وربى على الفروسية والقتال ...
فكان هذا الطفل هو "أورنك زيْب "
ونشأ رحمه الله محبا للشعر فكان شاعرا , ونشأ محبا للخط فكان خطاطا بارعا , وتعلم اللغة العربية والفارسية والتركية .
هكذا جمع رحمه الله كل صفات الملوك العظماء فى سن صغير
أورانك زيب أميرا :-
كان أورنك زيْب الأخ الثالث بين ثلاثة أبناء هم "شجاع" و "مراد بخش" , فتولى "شجاع" إمارة البنغال وتولى "مراد بخش" إمارة الكجرات وتولى "أورنك زيْب " إمارة الدكن فى وسط الهند
فتعلم "أورنك زيْب "الإدارة وأتقنها وسبر أغوارها فكان من ملوك المسلمين القلائل الذين برعوافى إدارة الدولة , ومع ذلك قاد الجيوش بنفسه فى عهد أبيه , فقمع الثوراتوطهر البلاد وأظهر فى الأرض العدل وكانت له هيبة وسمت الملوك , وظل الأمركذلك حتى كان ماكان من وفاة أمه "ممتاز محل" التى بوفاتها انشغل السلطان"شاه جيهان " ببناء مقبرة يخلد فيها ذكراهاوصرف لذلك الأموال وحمل الناس على العمل الشاق فأهملت السلطنة , وظهرتبوادر الفتن والثورات , ولم يكن للسطان يومها من همّ إلا النظر الى ضريحإمراته وكان قد أمر ببناء ضريح أسود اللون له مماثل لضريح زوجته , ولكنوثب الأخ الأكبر لأورنجزيب على أبيه فاستولى على كل شيىء إلا الإسم فظليحكم باسم أبيه .
ولكن كان هذا الأخ الأكبر مائلا للدنيا يريد إرجاع الهند على ماكانت عليه فى عهد أبو جده "جلال الدين أكبر" , فرفض بذلك أورنك زيْب المسلم الورع التقى وقام معه أخيه الآخر فاستطاع أورنك زيْب أنيأخذ الحكم لنفسه وقمع الثورات التى شنها إخوته عليه وحبس أباه فى حصنأجرا وكانت له شرفة تطل على ضريح زوجته فكان دائم النظر اليه وظل كذلك حتىمات , وبذلك أعلن أورنجزيب نفسه سلطانا على البلاد وكان وقتها عنده منالعمر 40 سنة , وابتدأ عهد العدل والحق فقد آن الأوان أن يرى المسلمين أبوبكر وعمر وعثمان فى شخص أورنك زيْب عالمكير .
أورانك زيب سلطانا على البلاد:-
قد يتخيل البعض بمجرد جلوس أورنك زيْب علىكرسى السلطنة ركن الى العبادة والراحة وخصوصا أنه كان متدينا , لا والله ,ماهكذا فهم أجدادنا التدين إنما التدين يكون بإعلاء كلمة الله والجهاد فىسبيل الله حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى ,فحكم البلاد بالحزم والعدل
لم يركن أورنك زيْب الىالدعة والراحة بل لبس لأمة الحرب من أول يوم وظل فى جهاد دام 52 سنة حتىخضعت له شبه القارة الهندية كلها من مرتفعات الهيمالايا الى المحيط ومنبنجلادش اليوم الى حدود إيران .
شهدت إمبراطورية المغول الإسلامية فى الهند فى عهد أورنك زيْب (1658 : 1707) أقصى إمتداد لها وذلك بفضل الجهود العسكرية التى بذلها السلطان أورنك زيْب حيث لم يبق إقليم من أقاليم الهند إلا خضع تحت سيطرة السلطان , فاستطاع أورنك زيْب تحويلشبه القارة الهندية الى ولاية مغولية إسلامية ربط شرقها بغربها وشمالهابجنوبها تحت قيادة واحدة , خاض المسلمون فى عهده أكثر من 30 معركة قاد هوبنفسه منها 11 معركة وأسند الباقى لقواده.
أبطل أورنك زيْب 80نوعا من الضرائب , وفرض الجزية على غير المسلمين بعدما أبطلها أجداده ,وأقام المساجد والحمامات والخاناقات والمدارس والبيمارستانات , وأصلحالطرق وبنى الحدائق , أصبحت "دهلى " فى عهده حاضرة الدنيا , وعين القضاةوجعل له فى كل ولاية نائب عنه وأعلن في الناس أنه "من كان له حق علىالسلطان فليرفعه إلى النائب الذي يرفعه إليه" .
وأظهر أورنك زيْب تمسكهبالإسلام والتزامه بشرائعه، فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيدالنيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، ومنع الخطبالطويلة التى تقال لتحية السلطان واكتفى بتحية الإسلام, كما منع دخولالخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه، وروى فى ذلك قصة :أنه كان يوما خارج قصره فرأى الموسيقيين والقينات يلبسون السواد ويبكونويحملون نعشا , فسأل ماهذا ؟ , قالوا : هذا الغناء والمعازف نذهب لدفنها ,فقال رحمه الله : إذن أحسنوا دفنها لئلا تقوم مرة أخرى !!
وحفظالسلطان القرآن الكريم كله بعد ما أصبح سلطانا !!! , وعين للقضاة كتابايفتون به على المذهب الحنفى , فأمر بتأليف الكتاب تحت نظره وإشرافه واشتهرالكتاب باسم "الفتاوى الهندية" أو "الفتاوى العالمكيرية" يعرفه كل طلبةالعلم .
أىرجل كان !!! , وبنى مسجد "بادشاهى" فى لاهور بباكستان الآن , المسجد الذىظل الى الآن شاهدا على عصر عز المسلمين وتمكينهم , وقضى على فتنةالبرتغاليين فى المحيط , وكان رحمه الله يصوم رمضان كاملا ولا يفطر إلاعلى أرغفة من الشعير من كسب يمينه من كتابة المصاحف لا من بيت مالالمسلمين !!
لم يستطع أن يحج الى بيت الله الحرام فاستعاض بذلك أن كتب مصحفين بخط يده وأرسل واحدا الى مكة والآخر للمدينة !!
وكانصاحب عبادة عظيمة , ويخضع للمشايخ ويقربهم ويستمع الى مشورتهم ويعظم قدرهموأمر قواده أن يستمعوا الى مشورتهم بتواضع شديد , حتى أنه سمع أن نائبهبالبنغال اتخذ مثل العرش يجلس عليه فنهره وعنفه وأمره أن يجلس بين الناسكجلوس عامتهم !!
وكانيصوم الإثنين والخميس والجمعة من كل أسبوع لا يتركهم أبدا ويأبى إلا أنيصلى الفرائض كلها فى وقتها جماعة مع المسلمين , وكان يصلى التراوييحإماما بالمسلمين , ويعتكف العشر الأواخر فى المسجد , فكان أعظم ملوكالدنيا فى عصره .
وخصصموظفين يكتبون كل ما يقع من أحوال رعاياه ويرفعونها إليه، وأبطل عادةتقديم الهدايا إليه كما كان يفعل من قبل مع أسلافه، وكان يجلس للناس ثلاثمرات يوميًا دون حاجب يسمع شكاواهم.
ووفّق الى أمرين لم يسبقه اليهما احد من ملوك المسلمين : -
الأول :أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس, لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين , أخذ المال بلاحق وكتمان العلم !!
الثانى :أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية فى كتاب واحد , يُتخذ قانونافوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية –العالمكيرية" على المذهب الحنفى
دخلملايين من المنبوذين فى الهند فى الإسلام ووقف حائلا مانع للمد الشيعىالصفوى على البلاد , وألّف كتابا شرح فيه أربعين حديثا شريفا – على غرارالأربعين النووية – وكان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهدفى أموال المسلمين وترك الأخذ منها !!
وفاة السلطان أورنك زيب عالمكير :-
توفيالسلطان في (28 من ذي القعدة 1118 هـ= 20 من فبراير 1707م) بعد أن حكم 52سنة، وكان قد بلغ من تقواه أنه حين حضرته الوفاة أوصى بأن يُدفن في أقربمقابر للمسلمين وألا يعدو ثمن كفنه خمس روبيات !!
بذلكيكون عمر السلطان حين وفاته 90 سنة !! , ولم يمنعه سنه بقيادة الجيوش أوقراءة القرآن , هكذا كانوا أجدادنا , لم يركنوا الى الدعة والراحة بل كانتحياتهم كلها لله , وبوفاة السلطان ابو المظفر محى الدين محمد أورنك زيْب عالمكير, انتهت عظمة دولة المسلمين فى الهند فجاء من بعده حكاما ضعافا وظل الأمركذلك حتى انتهت تماما بسقوط آخر سلطان "بهادر شاه الثانى " عام 1857بواسطة الإنجليز , ولم تقم للإسلام قائمة منذ ذلك الزمن فى تلك البلادالشاسعة .
صورة لقبر السلطان أورنك زيْب لتعملوا مدى بساطة القبر فهكذا أوصى أن يدفن - رحمه الله ....
أرجو أن ينال الموضوع إعجابكم ونرجو نشره لتعم الفائد إن شاء الله